الغواص
- ديسمبر 1, 2024
- Ofouly
- 0
الغواص رواية جميلة من ابداع الكاتبة ريم بسيوني، تبدأ الرواية برحلة، وهي بداية موفقة جدًا للسير الذاتية، وكأنها تأخذ القارئ من البداية داخل قلب وعقل البطل “أبو حامد الغزالي” وهو ابن الرابعة عشر عام حتى وفاته.
والمدهش أني من البداية أدرك أن البطل شخصية تاريخية، ومن الطبيعي أن تنتهي الرواية بوفاته، ولكني خلال الرحلة أحببت الأمام وتمنيت ألا تنتهي حكايته هكذا، فحزنت لوفاته،
حزنت من أجل زوجته ثرية وبناته وشقيقه أحمد، ولكل منهم جزء رائع في الرواية حتى الشخصيات الهامشية مرسومة بدقة كأننا نراها، منها شخصية غريبة هي شخصية قاطع الطريق المعصري الذي يلتقي بالفتى من بداية القصة ويعجب به ولكن لابد أن يقتله لأنه عرف شكله وتتطور العلاقة بينهما بشكل غير متوقع طوال الرواية.
وبعض الشخصيات الغريبة التي تعطيه اشارات لا يدركها في حينها، ولكنه يراها بقلبه عندما تتبلور أمامه الحقائق، وبعض الشخصيات تقترب وتبتعد عنه طمعًا أو خوفًا، وبعضها يدور في فلكه، والبعض يحبه والبعض يكرهه، ولكن تبقى شخصية الأمام أثيرة مميزة كنور الشمس ننتظرها عبر سطور الرواية، ونشتاق إليها إذا تشابكت الأحداث، وحاك حساده المؤامرات والدسائس له.
فننتظر بشغف كيف سيخرج منها الأمام، ونفرح لانتصاره، وونتابعه وهو ينتقل من بلد لبلد، ويصل لأعلى المناصب، ويسحق أعداءه بسيف الكلمات، وسعة العلم وإجادة المعارف والعلوم، وشدة الذكاء، ولكن عقله يعاني من الشك، ويعاني هو من القلق، ويرى ما لا يراه غيره.
ربما لأن الله أعده لما هو أخطر وأهم، فيستغيث بربه فيغيثه، ثم تأتي نقطة تحول غاية في القوة تنقلنا من عالم السياسة المزدحم المتلاطم الأمواج، إلى عالم أخر أكثر رقه وهدوء، إلى نبع الحب.
فيأخذنا الأمام معه في رحله نورانية رائعة، نرى فيها تجلي الروح، ونسبح معه في صفاء الكون، وبديع الخلق، وتبدأ تتجلى أمامه الحجب، وينهل من رحيق الحب إلهام، فيكتب ويعلم ويتعلم حتى تأتي لحظة الوداع فنحزن لفراقه، ونحزن أكثر لنهاية الروية.
لا أحب أن أحرق الأحداث لأنها رواية تستحق أن تقرأها، وتستمتع بكل جزء فيها، وترى عالم مدهش، ربما لا يختلف كثيرًا عن عالمنا، ولكن المؤسف أن عالم اليوم يخلو من رجل مثل الأمام أبو حامد الغزالي.
الغواص الذي ركب فوق الأسد وسط هتاف الجماهير، ثم ترك كل شيء ليستخرج الدر من فيض الرحمن، ويترك لنا ثروة لا تقدر بثمن، وكنز لا يفني بموت صاحبه ولكن يبقى ليلتقطه من يزيل عنه غبار الزمن و فيكشف النقاب عن كنز يحمل بداخله عبق التاريخ وحكمة التراث الإنساني الخالدة لعلنا ننتبه من غفلتنا وندرك أن لنا جذور لو روينها سنتج جنات وارفة الظلال.