حكايات فرح قصة جديدة من تأليف د.عز الدين شكري فيسير، صاحب باب الخروج، وثلاثية مقتل فخر الدين وأبو عمر المصري وكل هذا الهراء، يفاجئ القراء برحلة عميقة محملة بشحنة عاطفية رائعة، لسلسلة من مشاعر فرح بطلة الرواية وهي طفلة تتفتح للحياة، وتراها بعيون أمها وخالاتها وجدتها، ثم تبدأ في إكتشاف أنوثتها، فتتطور مشاعرها لمراهقة، ثم زوجة وأم لزينة الطفلة والمراهقة، ثم مطلقة فأمرأة ناضجة تحب وتتعذب وتبتعد وتقسو على نفسها، وعلى من حولها أحيانًا وتختار وتقرر.
تري فرح بوضوح دائرة الظلم والقهر الذي عانت منه زينات الجدة، وزينب الأم وأخوات زينب، وفرح نفسها وتقرر أن تتحمل مسئوليتها كأم وتجنب ابنتها زينة من نفس المصير، تتصرف بدون إستشارتها وتقدم على تصرف طائش – بالطبع لن أحرقه – ثم تترك لها حرية التصرف.
تعود لحياتها على مشارف الخمسين، وتغير عملها وتنجح في مجال جديد تحبه، وتموت فجأة وتوصي صديقتها المقربة أن ترسل لابنتها مذكراتها تمامًا كما فعلت أمها زينب معها، تحكي فيها حكاياتها، وتنتهي زينة الرواية أو مذكرات أمها بفصل أخير يخبرنا عن اختيارها.
الرواية مفعمة بمشاعر عميقة في مختلف مراحل عمر البطلة، وتعبر عن معاناة نساء يعشن في بيئات مختلفة، وظروف مختلفة، يجمعهم خط واحد هو القهر غير المبرر، فيستسلمن وتتعايش كل واحدة بطريقتها، ونعرف كيف تتغلب عليه كل منهن لتكمل رحلة حياتها، حتى تتمرد فرح، وتخرج عن الخط الوهمي المرسوم للنساء في بلادنا.
حضور الرجال في الرواية باهت ضعيف، بدأ من الجد والأب والأخوة والزوج ثم الحبيب، فكلهم بلا استئناء لا يتحمل مسئوليته، ولا يقوم بدوره، ويكتفي بالتعالي الذكوري بلا أفعال لها تأثير على من حوله، فتنهارالروابط وتتلاسى شيئًا فشيئًا حتى تكاد تنقطع، وكأن هذه هي طبائع الأمور، وعلينا تحملها، فتأتي فرح لترفض وتخرج من الإطار الإجتماعي الأمن، وتعيش حياتها بلا قيود، ولكنها في نفس الوقت ليست من البلاهة لتحطم حياتها، وحياة من تحبهم بالوقوف في وجه المجتمع، أو تتحدى نظمه بشكل صريح.
هي فقط تكون نفسها بلا أكاذيب تحت أي مسمي، التجميل أو المجاملة أو اللياقة أو أو، هي تسمي الأشياء بمسمياتها، وتعترف بأخطاءها، بحيرتها، تحب وتكره أغلب من حولها في نفس الوقت، ولكنها في كل الأحوال تثبت وجودها بالفعل لا بالقول، وتتصرف وتتهور وتخطئ مثلنا جميعًا، ولا تدعي الكمال، وهذا أجمل ما فيها.
يصعب علي تصور أن يعبر عنها رجل بمنتهى الدقة والوضوح، ويستطيع إلتقاط جزيئات دقيقة، أوفتافيت كما يسميها في نهاية الرواية، فتتضح الرؤية، وكانها تعلن بمنتهي لصراحة، أن الحياة لن تكون محتملة إلا برجل وأمراة يتعاونا معًا على عبور المصاعب بلا صراع، أو القاء اللوم على الاخر، أو التخلي عن أدوارنا ومسئوليتنا، ويحاول كل منهما أن يسعد الأخر أو يرحل بلا مشاكل، الرواية تستحق القراءة ومتوفرة على تطبيق أبجد.