Ola El-Fouly

قصة فيلم تفتح باب لمناقشة قضية هامة

فيلم جميل مأخوز عن قصة لإحسان عبد القدوس بنفس الأسم، ولكنه من الأفلام القليلة التى تفوق فيها الفيلم على القصة، فالقصة قصيرة جدًا، تناقش قبول السياسى لعلاقته براقصة وشراكته لها فى الخفاء، ثم يرفضها ويتبرأ منها فى العلن، ولا تناقش القضية الإنسانية التى يطرحها وحيد حامد فى الفيلم، وهى هل من حق الراقصة بناء ملجأ للأطفال، أوتبنى أطفال أم لا.

والراقصة فى الفيلم لها دافع شخصى، وهى تريد تأمين مستقبلها بمن يقف بجانبها فى المرض والكبر، وهو بالطبع دافع مشروع حتى لو لم يكن من باب حب الخير الخالص، فخطوات الخير تؤدى للخير، وأبواب الله لا تغلق فى وجه أحد، إن صدقت وخلصت النية لله، ولم يكن وراء هذا الباب غرض خبيث.

والمشكلة هى إننا نفاجأ كل يوم بأمور كثيرة غريبة، ودعوات لفتح باب التبنى على مصراعيه لمن يريد، بحجة إن الأطفال المساكين يسكنون الشوارع والأرصفة، ولا يجدون من يرعاهم، ولا يعيشون طفولتهم، ويتم الإعتداء عليهم ليل نهار، وإغتيال برائتهم بمنتهى الوحشية، ويدفعون للجريمة دفعًا، وهذا حق ولكن هل يراد به باطل، أم هى مجرد تصورات مثالية من بعض الذين يحسنون النوايا بلا تدقيق وتفكير عميق.

فلنبدأ بأسئلة هدفها الوحيد التفكير:

هل نسمح لتاجر مخدرات مثلًا بناء ملجأ؟

فإذا كانت الجواب بنعم.

فمن يضمن إلا يستغل هؤلاء الأطفال المساكين كعمالة لزراعة أوتوزيع المخدرات، وقد يقدم لهم هذا السم ليضمن ولائهم.

هل نأتمن مثليين على أطفال، سواء بالسماح لهم بالتبنى أوبناء ملجأ؟ فإذا كان الجواب بنعم أيضًا.

فإذا كان الجواب بنعم أيضًا.

فمن يضمن إلا يكون غرضه الإعتداء على الأطفال بدون رقيب، كما يحدث أحيانًا على مستوى فردى.

هل نفتح باب التبنى لغير المتزوجين من الرجال أوالنساء الذين يرفضون الزواح، وتكوين أسر طبيعية؟

فإذا كان نعم.

فمن يضمن قدرتهم الفعلية على رعاية طفل، إذا كانوا يرفضون الإنجاب، وما مصير الأطفال لو تغيرت ظروفهم بأى شكل.

أنا مع الأسف لا أستطيع تقديم جواب قاطع، بنعم أولا، على كل هذه الحالات وغيرها ببساطة، لأن الإجابات مربكة وشديدة التعقيد، وتحتاج بحث، ودراسة لكل حالة، فلا يعلم النوايا إلا الله، وسبب الإرتباك هو ما نسمعه كل فترة عن حوادث عجيبة عن مشاهير وأثرياء، قاموا بالإعتداء على أطفال، وقد يكونوا أبرياء وقد يكونوا مذنبين.

من يدرى؟ ربما تكون مكيدة من منافس، أومنافسة، أوشخص حاقد، وربما تكون حقيقة، وجيوش المحامين تجد لهم مخرج من كل مصيبة، كما حدث ويحدث دائمًا.

كما تخلى زوجين عن طفلة بعد تبنيها بثلاث سنوات، لأن الزوجة حملت، ففضل الزوجين إعادة الطفلة للملجأ، والإكتفاء برعاية طفلهما القادم، ولا أدرى ظروف الزوجين المالية، أومدى قدرتهم على رعاية أكثر من طفل.

ولكنى فكرت كيف يكون الحال لو شخص أعزب تبنى طفل، وعرض عليه أوعليها، فرصة سفر، أوتعرض لظرف مفاجئ، أوقرر الزواج ورفض شريكه الطفل.

مشكلة تبنى أطفال الشوارع أوالملاجئ معقدة، فهم بالفعل بلا حول ولا قوة، فهم إما أيتام، أونتاج علاقة غير شرعية، أوتخلى عنهم أباءهم أوفقدوهم بأى شكل، أوهربوا من قسوتهم، أومختطفين، وبالتالى عملية التبنى ستكون بلا رقابة من أى جهة مضمونة، يمكنها حمايتهم، وإلا لقامت برعايتهم وإيوائهم، بدلًا من تركهم مشردين.

ولا ننكر وجود جهود ممتازة من أفراد، وجمعيات، تقدم العون، والدعم لهؤلاء المساكين، ولكنها جهود متناثرة قليلة من أهملها:

قيام أحد المدارس الأجنبية المعروفة بعمل فصول لبعض هؤلاء الأطفال، بعد إنتهاء اليوم الدراسى.

وقيام بعض الجمعيات بعمل ورش ثقافية وفنية فى المناطق الفقيرة.

وبعض المساجد والكنائس تقدم مساعدات.

هذا بخلاف الأفراد الذين يدعمون هؤلاء الأطفال.

وكلها جهود مشكورة تبذل فى صمت، ولا تحل المشكلة أوجزء منها، وحتى قبول التبنى وبناء ملاجئ لن يحلها، لأن الحل يكون بتجفيف المنابع التى تنتج هؤلاء الأطفال، وهذا يعنى القضاء على الفقر، والبطالة، والإدمان، وأوكار المخدرات، والدعارة، والإغتصاب، والزنا، وخطف الأطفال، والعشوائيات، وإلزام الأباء برعاية أولادهم، والصرف عليهم.

وهى مشكلات إجتماعية معقدة، لا أنوى مناقشتها، أما مشكلة هؤلاء الأطفال ،فتحتاج حلول مبتكرة مبنية على دراسات ميدانية، لتقديم حلول عملية، تتبناها الحكومات، إذا أرادت حماية المجتمع من قنابل جاهزة للإنفجار فى أى لحظة، ثم تشجع المجتمع المدنى على دعم وتنفيذ خطط واضحة، تخدم هذه الفئات المحرومة تمامًا من أى حقوق، وتشرف هى على التنفيذ.

فترك هؤلاء الأطفال فى الشارع خطر عليهم، وعلى المجتمع، والتبنى ليس حل فهو واقع يبنى على وهم، يمكن أن ينهار فى أى لحظة، ولا يوجد ضمان منع إستغلال الطفل، أوحتى من يضمن العمر، وإن يقبل أقارب المتبنى الإنفاق على الطفل ورعايته بعد وفاته، أوالتخلى عن جزء من الميراث لصالحه.

لا أريد أن أجزم إن وجود هؤلاء الأطفال دليل على عدم الإنسانية، وموت الضمائر، فالله وحده يعلم ظروف الناس، ولا يوجد معصوم من الخطأ، ولكنهم قنابل موقوتة ستنفجر فى أى وقت، إن لم نتصرف بحكمة، ونجد حل جذرى، ينقذهم وينقذنا معهم.

والحلول كلها تحتاج جهود كبرى وخطط طويلة المدى وإشراف ومتابعة، تفوق قدرة الحكومة وحدها، وتتعدى جهود المنظمات المتناثرة، ومبالغ طائلة، ولكنها ليست مستحيلة، إذا خلصت نوايا الإصلاح الحقيقى، فهؤلاء قوة بشرية لو وجهت للبناء ستبنى. ولو تركت ستضيع وتضيعنا، والبناء هنا يكون بالعلم والعمل، فالفراغ والفقر والجهل هم الأعداء الحقيقين لأى تقدم أوإصلاح ولكننا ندور فى نفس الدوائر، ولا نفعل شئ.

فهل يمكن أن نفكر بهدوء فى حل شامل يحقق لنا شارع أمن، ويحقق لهم مورد رزق شريف يحققوه بأنفسهم ولأنفسهم، ولا ينتظرون عطف أحد أوتبنى، أو جهات تعطى أوتمنع، نحن نعانى نقص فى العمال فى كل المجالات تقريبًا.

دربوا هؤلاء الأطفال، وعلموهم فى مدارس مسائية، وأفتحوها للنوم لمن لا مأوى لهم، ثم يذهبون فى الصباح لأماكن العمل، للتدريب على أعمال يدوية مطلوبة فى السوق ومربحة، ونفتح لهم حسابات إدخار بأجورهم حتى يبلغوا السن القانونى، فنوفر لهم بعد عدة سنوات حياة كريمة محترمة، ونغلق أحد أبواب الجريمة والفوضى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

en_USEnglish