Ola El-Fouly

رحلة البحث عن الذات

بتوقيت القاهرة فيلم رائع يعرض قضية تمسنا جميعًا بشكل او بأخر، ربما بوعى أو بدون  عندما نفرض الفضيلة ـ من وجهة نظرنا ـ على من نشاركهم الحياة، ونحاصرهم بإختيارت لا تروق لهم ولكننا ندفعهم إليها بكل الطرق الممكنة للحفاظ على الشكل الإجتماعى، فنحول حياتهم وحياتنا لجحيم حقيقى، لأننا ببساطة نمثل شخصيات ليست نحن ولا نريد أن نكونها، ولا نستطيع الفكاك منها، ولا من نظرات الإستياء واللوم ممن حولنا.

نحن نريد من أبائنا وأبنائنا أن يكونوا ملائكة، أو على أقل تقدير الواجهة الإجتماعية المشرفة لنا، و نغفر لأنفسنا ذلاتنا وأخطائنا وعدم قدرتنا أن نكون كما نريدهم ملائكة، ولا نتصرف بالصورة المشرفة التى نريدهم عليها، ولكن نحاول التخفى بعيوبنا عن أعين من حولنا ونبرر أخطاءنا ونهونها، وفى المقابل نضخم أخطاء غيرنا لنشعر كم نحن رائعين بأخطاءنا التافهة.

وهى مقارنة ظالمة تمامًا لأن كل منا له مبرراته والأسباب التى تدفعه ليتصرف بصورة او بأخرى، وسواء أتفقنا مع تصرفاته وأسلوب حياته أو أختلافنا، فلندعه لخالقه يحاسبه متى شاء وكيف شاء، ونقبل ممن حولنا ما  نقبله من أنفسنا، فأن لم نستطيع نتركهم وشأنهم، يعرض الفيلم معاناة 3 من كبار السن و3 شبان وهم الشخصيات الرئيسية التى يعرض الفيلم معاناتهم أو جزء من حياتهم:

يحيى

تبدأ الأحداث بالأستاذ يحيى “نور الشريف” مريض الزهايمر الذى ينسى كل شئ الا ابنته أميرة “دره” وصورة سيدة لا يذكر من هى ولكنه يعتقد إنها مفتاح ذاكرته وإنه لابد ان يجدها لإنها شئ مهم فى حياته ويعانى من تسلط إبنه المتزمت دينيًا والذى يضربه بسبب ضبطه لزجاجة خمر كان والده يشربها، فيقرر الاب الهرب والبحث عن صاحبة الصورة أو ربما البحث عن ذاته التائهة.

حازم

يجسدها ببراعة “شريف رمزى” الديلر أو موزع المخدرات الذى يرى متعته الحقيقية فى التعرف على شخصيات مختلفة من خلال توزيع المخدر او ربما يهرب بها من واقعه وعدم قدرته على الوفاء بإلتزاماته إتجاه والديه وجارته التى يحبها ويريد الزواج بها، ولكن تاجر المخدرات يأمره بتوزيع المخدرات فى الساحل فيحاول الرفض ولكنه يضطر للقبول، ويحدث ما كان يخشاه يقابل كمين فى الطريق فيتخلص من المخدرات، بالطبع لا يصدق التاجر ويرسل اثنين من أتباعه لتأديبه او قتله، وفى رحله الهرب يلتقى بيحيى فيأخذه معه الى القاهره، ويتعاطف معه ويشعر بمسئولية اتجاهه وهو من المرات القليلة فى السينما التى يظهر فيها الديلر كأنسان طبيعى له جانب نظيف يلاحظه كل من يتعامل معه ولكنه إنحرف ويجنى نتائج إنحرافه.

ليلى صاحبة الصورة

هى الفنانة الجميلة “مرفت أمين” وتجسد شخصية ممثلة كبيرة يبدأ دورها وهى جالسه تشاهد أحد أفلامها وهى شابة مع زميلها الممثل سامح، ويتصل بها خطيبها الذى يرى الفن حرام، ويحتقر الممثلين ولا يوجد أى مبرر يجعله يتزوج من ممثلة معتزلة إلا لتأنيبها ولومها طول الوقت ـ وهو نموزج منتشر فى مجتمعنا بصورة غريبة فتجد شاب يتزوج من فتاة غير محجبة ويجبرها على الحجاب وليته يسكت ولكن يظل ينتقد ملابسها وسلوكها طوال الوقت، وفتاة تتزوج من شاب لا يصلى وتقضى الليل والنهار فى تأنيبه بسبب عدم الصلاة والالتزام بتعاليم الدين، والمحجبات والمصلين يحيطون بهم فى كل مكان، لماذا لا أدرى ـ  ونفهم من المكالمة إن الخطيب يطلب منها الإسراع لعمل شئ من الواضح إنها لا تريده ولكنها تقدم عليه لتبدو محترمة ونراها ترتدى طرحة ثم تخلعها عند باب بيت سامح.

سامح

الفنان “سمير صبرى” الذى يعانى من وحدة قاتلة، ويستعد للسفر الى ابنه الوحيد فى كندا، والذى يعلم إنه لا يريده وتورط فى دعوته، ومع ذلك يستعد للسفر بحماسة ربما محاولة للهروب من هذه الوحدة، ويخفف من حدتها صحفية شابة تريد عمل حديث صحفى معه ويطمع فى صحبتها عدة ايام ليتوهم انه مازال محبوب، ولكن زيارة ليلى غير المتوقعة تفسد عليه كل شئ. 

سلمى ووائل

سلمى ـ ابنة ليلى ـ “ايتن عامر” التى تتفق مع حبيبها وائل “كريم قاسم” على اللقاء فى شقة أحد أصدقاءه، وهى محاولة للبحث عن الذات عن طريق التمسك بحقهما فى الإختيار والحب فى ظل ظروف مادية تسحق أى فرصه لهما فى الزواج فى المستقبل القريب، وأثناء إنتظاره تتعرض للتحرش اللفظى من المارة فتكاد تلغى كل شئ، ولكنها تذهب معه وهي تخشى عاقبة أن يقترب منها قبل الزواج ليس لوازع دينى، ولكن خوفًا من المجتمع الذى لا يرحم، ويفرق بين الفتى والفتاة على نفس الخطأ فيحاسبها ويشجعه، ويتجسد ذلك من خوفها من البواب والجارة ورعبها من طرقات على الباب وكلام الناس وأشياء كثيره تقيدها وتخيفها وتجعلها دائمًا متوترة.

الفيلم ببساطة يقدم شخصيات من لحم ودم تخطئ وتصيب وليست عرائس تتحرك بخيوط كما يريدها المجتمع حولها، أو يتوقعها المشاهد، فإن كنت ممن يرون إن واجب السينما تقديم قدوة للشبان فلا أنصحك بمشاهدة فيلم بتوقيت القاهرة، أما اذا كنت مثلى ممن يرى فى الفن وجهة نظر تلقى الضوء على موضوع ما بطريقة مختلفة، فالفيلم يستحق المشاهدة أكثر من مرة، لانه يدفعنا للتفكير هل نحن نعيش كما نريد ام كما يريد غيرنا فنغترب عن انفسنا؟ وهل نحتاج الى رحلة للبحث عن ذواتنا الحقيقية كما فعل الاستاذ يحيى ؟

الإجابة ليست عندى أوعند صناع الفيلم، ولكنها بداخل كل منا، ولكن أستطيع القول أن أداء الفنان العظيم نور الشريف ـ عليه رحمة الله ـ لدور يحيى شكرى كان مسك الختام لأدوار رائعة قدمها لنا خلال مشواره الفنى، و كان الفيلم بداية جيدة جدًا فى الأفلام الدرامية لأمير رمسيس مؤلف ومخرج الفيلم، وموسيقى رائعة كالعادة لخالد حماد، وإداء مميز لكل الممثلين، وخصوصًا شريف رمزى، فشكرًا لهم على محاولة موفقة للخروج من فقاعة المثالية الزائفة الى الحياة بكل ما فيها من قبح وجمال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

en_USEnglish