Ola El-Fouly

ماذا تفعل لوعدت إلى بلادك بعد سفر طويل ووجدت نفسك تحولت إلى إله معبود؟

لك صنم و كهنة ومعابد و عباد، ربما يكون هذا التصور غريب على الموحدين المؤمنين بالله خالق هذا الكون.

لكنه محور قصة رائعه للأديب المبدع محمود تيمور،  أحداثها تدور فى مصر الفرعونية وهى تحكى قصة  بتاح و هو إنسان سليم الفطرة نقى السريرة من مدينة جميله اسمها أنب-حز.

كان والده أمين على خزائن الفرعون، وكان يأخذه معه فى رحلات الهدف منها جمع الإتاوات  و تسخير العبيد، ورأى بنفسه نفاق الكهنة وأكاذيبهم، خصوصًا الكاهن الأكبر بهاتور. 

وأدرك دورهم فى تضليل العقول، وتمويه الحقائق من أجل مصالحهم، فأقبل على التأمل والدراسة والبعد عن الرغبات والشهوات الأنسانية  خاصه بعد وفاه زوجته الطيبة.

فألزم نفسه برياضة روحية صارمة، طهرت نفسه، فرفض عقله العبادات الضالة لأصنام متعددة، وأخذ يبين للناس حقيقه الإله الحق نور الأزل، وبعد مناقشات حامية، أصبح له أصحاب كثيرين ومنهم شاب ذكى أسمه سنكرع.

ولكن الكاهن الطاغية بهاتور كان يتبعهم ويرصد حركتهم الأصلاحية، وفى يوم وجد الجنود يحيطون بهم، ونشبت معركة حامية، راح ضحيتها الكثير من اتباعه، ولكنه نجا ومشى فى إتجاه الصحراء الغربية الى أن وجد مغاره فأحتمى بها.

ووجد ان الإله نجاه ليكمل رسالته العظيمة، ويبلغها للناس وتمنى ان يكون تلميذه سنكرع نجى أيضًا ليحمى العقيدة من الأندثار، وفكر أن من الحكمة أن يبتعد عن المدينة ليستجمع دماء الحياة، ثم يواصل جهاده.

وسار في الصحراء حتى وجد ناسك مسن يدعى كاى، يعيش مع حفيدته الصبية نفرت، حول نبع صغير حوله نخيلات متناسرة، وعرف إن كاى أيضًا يعبد الإله الحق.

فعاش معهما سنوات حتى عرف من بعض تجار القوافل، إن دين جديد ظهر فى أنب-حز، وإن كاهنه يدعى سنكرع، وإن الفرعون الجديد أعتنق دين بتاح، فرح بتاح بما سمع، وذهب ليخبر الناسك كاى، فوجده قد مات، و قال لنفرت التى أصبحت شابه أنهما سيذهبان الى مدينته أنب-حز.

فقالت له إنها رأت فى نومها مكان جميل مزدحم سيبتلعه، وانهم يخطفونه منها، فأكد لها أنها ستكون عونا له بنقاءها وطهارتها، وأنها جزء منه، وأخذها وعاد إلى المدينة، فحذرته إن هذه هى المدينة التى رأتها فى نومها ذات الأبواب السبعة، فلم يهتم.

واكتشف بعد دخوله المدينه أنه أصبح إله وله صنم يعبده الناس، وأن هذا هو الدين الجديد الذى دعى له الكاهن سنكرع،  فذهب إلى المعبد وقابل الكاهن سنكرع، وساءه مظاهر الأبه و الثراء التى تحيط بتلميذه.

وسأله كيف أصبحت إله ؟

فقال أنه بعد المعركة أشيع أن بتاح ارتفع إلى العلا عقب مقتله، واتحد بالقدس الأسمى، فاصبح إله ولا سبيل الآن لإعلان الحقيقة، وأضاف أنه أنقذ الدعوة وجمع شمل الأنصار، بعد ان تخلى عنهم بتاح.

دافع بتاح عن نفسه بأنه وجد إن مواصلة الدعوة تعنى اراقه الدماء، وهو يدعو للسلام لا للحرب، فأثر الاستخفاء، ولكن سنكرع قال إن هذه المثل الرفيعة غير موجودة فى الواقع، وبدون الجهاد لن تحيا العقيدة، وإنه حافظ على جوهر العقيدة وأشاع الطمائنينة والتراحم بين الناس، واتهمه بالتخازل و الضعف.  

سخر بتاح من كلام سنكرع المخالف للحقائق والتعاليم، ومن حياة الترف التى يحيط بها نفسه، فى حين إن دعوته أساسها البساطة و التقشف، وأعلاء شأن الروح وتطهير الجسد من النزوات.

فرد سنكرع بأن تعطيل مطالب الجسد غلواء لا تحمد عقباها، وإن المزاوجه بين مطالب الجسد، واعلاء شأن الروح لابد منها، لتتوفر الحياه السويه بلا حرمان، ولوح انه يستطيع الفتك به.

وأقترح أن يعيش ما بقى من عمره سعيد مع ربيبته كما يريد، و أن يغير اسمه إلى بتاح حتب فوافق، واعتقد الناس أنه ونفرت من الزهاد، وفى يوم عيد الشباب، وجد بتاح سنكرع وهو يركع لصنم بتاح فى مهرجان كبير، فلم يستطع أن يتحمل الأكاذيب وسار على غير هدى، ونام فى المقابر من شده التعب.

وعندما عاد وجد شاب أسمه بنكاو بجوار نفرت التى أخبرته أن الشاب وجدها قلقة امام الباب فوقف معها يسامرها، ثم طلب الشاب من نفرت ان ترافقه أيام العيد، ورغم خوف نفرت لكنها ذهبت مع الشاب، وعادت ترتدى ملابس ذاهية، وأخبرته أنها صلت للإله بتاح، فشعر بالغيره من الشاب بنكاو، وأدرك إن الشر مازال له بقايا فى نفسه، وسالته لماذا يرفض ان يكون إله؟ وكل الناس تراه إله وهى منذ نشأتها تراه إله.

فقال لها تحققت رؤياك المدينة ابتلعتك، أما هوفعليه أن يذهب وحده فى رياضة روحية،  وودعها وانصرف، ولمح بنكاو قادم إليها.

 وهكذا انتهت القصة الجميلة، ولعل الكاتب يريد أن يقول إن المبادئ وحدها لا تكفى، لكن على الإنسان أن يواجه قوى الشر بالوقوف أمامها، والثبات على المبدأ، والدفاع عن أفكاره حتى لو كان الباطل قوي، فلا يكفى أن يكون الإنسان صالح طيب، فنبل المبادئ  لا يعنى ضرورة النصر، لأنه يحتاج للمثابرة و التضحيه و مواصله الدفاع عن الحق، أمام الشر القوي.

والقصه تتميز بأسلوب شديد العذوبة والرقة، تشد القارئ منذ اللحظة الأولى حتى كلمة النهاية واللغة راقية شديدة البلاغة رغم بساطة الألفاظ  مما يجعلها قريبه إلى النفس، وتشعر القارئ بتفاعل مع الشخصيات المجسدة بعناية، كأنهم جزء من حياته، رغم غرابة الفكرة  واختيار مصر الفرعونية كمسرح للأحداث، وهذا يظهر مدى براعة أديبنا المبدع محمود تيمور.   

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

arArabic