Ola El-Fouly

الصادق الأمين صفتان إشتهر بهما رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، قبل أن يختاره الله خاتم للمرسلين، ومع هذا لم يصدقه أكثر قومه، وكذبوه وأخرجوه وأصحابه من مكه، وذهب إلى المدينة فصدقه الناس، وأحبهم وأحبوه، ونصروه على أعداءه حتى نصرهم الله، وأقاموا حضارة عظيمة نعيش في ظلالها الوارفة منذ مئات السنين، ونتسأل كيف وصل بنا الحال إلى هذا الوضع السيء، رغم أننا نحمل أعظم رسالة، ونتغنى بأمجاد الأباء والأجداد، فماذا كانوا يملكون وفقدناه؟

سمعت كلامًا كثير يدور حول العلم والعمل والدين العدل وكلها حقائق لا شك فيها، ولكن ينقصها شيء، شيء يكمل الصورة، ما هو أصل البلاء؟

لم أصل لشيء محدد،حتى حدث شيئان أدركت بعدهما السبب، أصل الداء والبلاء.

الحدث الأول

استعان زوجي بأحد الحرفيين، والرجل تبدو عليه مظاهر التدين يطلق لحيته، فأرسله لقضاء عمل لصديق له، ومع الأسف أدعى أنه أكمل العمل، وهو لم يكمله، وقال كلام غير دقيق نصف الحقيقة، وكاد يسبب فرقة بين زوجي وصديقه، ولم أندهش لتصرف الرجل، فهذه سمعة أصحاب هذا المظهر -مع الأسف – وقفز إلى ذهني صفتي النبي الصادق الأمين، وقلت في نفسي كم ستتغير حياتنا لو أقتدينا به في الصدق والأمانة فقط لا شيء أخر.

وبعدها بدقائق جاء الحدث الثاني بالجواب القاطع، قرأت مقال لكاتبة لن أذكر أسمها، لسبب سأقوله بعد أن أستعرض ملخص المقال، تروي حكايتها وتحولها من العلمنة وحياة اللهو والرقص والموسيقى ووووو إلى الإسلام، ولا أدري ما علاقة العلمانية بمعني فصل الدين عن الدولة بالرقص واللهو، فهذا أبعد ما يكون عنها، ولكني لن أتوقف عند هذا كثيرًا، وأكملت المقال لأعرف باقى الحكاية، كتبت أنها تلتزم بالزي الشرعي، وتعاليم الدين وتصلي وتقرأ كتاب الله، وكل هذا كلام جميل، ولا غبار عليه، لو لم تذكر سبب عجيب لتحولها هذا، أنها شاهدت  شاب متدين هادئ يسير في السوق وعلى وجهه علامات الرضا.

هل من المعقول أن تنقلب حياة كاتبة تدعي الثقافة، وتقضي نهارها تقرأ، وليلها ترقص وتلهو، وهذا في حد ذاته أمر غريب، لأن محبة القراءة وإحتراف الكتابة شيء  يحتاج وقت وتفرغ،  والسهر طوال الليل والرقص يعني النوم طوال النهار، ولكن لعلها تستطيع التوفيق، قدرات الناس تختلف، وربما تكتب عن حياتها وخواطرها وما شابه، وهذا أمر لا يحتاج وقت كبير، ولا قراءة عميقة، وعلى كل حال نوعية كتاباتها وثقافتها لا تهمنا الأن، المهم  أنها تتحول من النقيض إلى النقيض لأنها شاهدت شاب عشريني لا تعرفه، يبدو عليه التدين من ملابسه ولحيته، يسير هادئ غض البصر، فهل هذا معقول؟

أنا أستبعد هذا تمامًا حتى لو لم تكن كاتبة، فنحن نتأثر بمن نعرفهم، أو حتى نعرف أفكارهم، أو نرى منهم الخير، وخلق حسن، وليس من يسيرون في الأسواق.

ولم أذكر أسم الكاتبة لأني لم أقرأ المقال على صفحتها، حاولت البحث عن الصفحة على جوجل، فلم أجد حساب باسمها على وسائل التواصل، فبدأت أشك أن يكون المقال أخرج من سياقه، أو إنها لم تكتبه أصلًا، أو قام أحدهم بتحريف ما كتبت بالحذف أو الإضافة، وكثيرًا ما يحدث هذا – مع الأسف – ممن يظنون أنهم يخدمون الإسلام بتقديم نماذج غير حقيقية، وإختلاق حكايات كاذبه لمن إهتدت بنور الله، وينشر صورة لسيدة بالحجاب وقبله، ولا يوجد دليل على صدق هذا الكلام، ولا على كذبه،  لذا لم أذكر أسمها حتى لا أشارك بنشر أكاذيب عنها، أو عن غيرها.

ولا يعنيني أن كان سبب هدايتها هو هذا الشاب أم سبب أخر، هذا شأنها، أو حتى إن كانت شخصية حقيقية أم لا، ولكن إذا أردت أحد أن يشارك الناس بتجربة، فقط عليه أن يقول الصدق، ومن ينقل الخبر عنه، يكون أمين، لأني في هذا المثال وغيره كثير وجدت نفسي من كثرة الأكاذيب، لا أصدق كلامها، ولا أثق في أمانة من نقل عنها، فعجبت من حالنا، كيف نحمل رسالة لا نقتدي بخلق صاحبها، أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام، وتذكرت قول الله تعالي

مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا ۚ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ 

نحن مثلهم حملنا كتاب الله، ولم نحمله في قلوبنا وعقولنا، ولم ننفذ تعاليمه، وتركنا صفات رسولنا وهديه، وأكتفينا بالأقوال والمظاهر التي تدل على الإيمان، ونسينا أن الله يعلم خائنة الأعين وما تحفي الصدور،  فظلمنا أنفسنا بالكذب، وترديد ونشر الأكاذيب دون بينة، وأمور كثيرة أبعد ما تكون عن تعاليم ديننا.

فخطر لي كيف يكون حالنا فقط لو تحلينا بالصدق والأمانة قولًا وعملًا، كيف ستتغير حياتنا؟

سنثق في ما نرى ونسمع.

سيتقن كل منا عمله حتى يستحق الأجر عليه كاملًا

من لا يعرف سيقول لا أعرف فنبحث عمن يعرف

سنرى بوضوع مشكلاتنا وطرق حلها وننفذها

سننصح الأخرين بما فيه الخير لهم أو نصمت

سنحترم أنفسنا وغيرنا لأننا صادقين

لن نسخر من بعضنا وينعت كل منا الأخر بما فيه وما ليس فيه.

ثم قلت لنفسي رسولنا صادقًا يعيش وينفذ ما يقوله، فصدقه الناس، ومازالوا يصدقوه، ونحن تركنا الصدق، فلم نصدق أنفسنا، ولم يصدقنا أحد، وإنهارت حياتنا وسمعتنا، وظن غيرنا أن رسولنا مثلنا، فتطاولوا عليه، ثم أطلقنا شعار غريب “إلا رسول الله” لنقول للناس تكف ألسنتهم عنه، وإلا….. إلا ماذا؟   

لا شيء ما حيلتنا، وحالنا يقول أننا نقتدي بكل الناس شرقًا وغربًا في العادات والخلق إلا رسول الله، فصار حالنا غير كلامنا، فلم يحسب لنا حساب، وأصبحنا تابعين لأعداءنا يتلاعبون بنا كما يحلوا لهم، ويحركونا لنخدم مصالحهم، ولم يعد يأبه لنا أحد، رغم كثرة عددنا، والسر أننا نسينا العمل بتعاليم دينا، وينطبق علينا قول الله في صورة الصف

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ 

فإن كنا نفعل ما يمقته الله، فكيف نرجو خيرًا من الدنيا أو من الأخرة، ونحن نكذب، ونخون الأمانات، وأولها أمانة الله ورسوله، فنحن لا ننفذ تعاليم ديننا في حياتنا، ولا نقتدي برسول الله، تركنا صدقه وأمانته ورسالته، فماذا بقى لنا منه، أو من الدنيا، والحضارة التي غرس بذورها، فنمت وتعرعرت، عندما كان المسلمون يقتدون بخلقه، ملكوا الدنيا، ثم بقي منها الذكرى والأطلال،عندما تركنا قدوتنا، ثم نتسائل عن سبب معاناتنا، رغم أننا نعبد الله وغيرنا كافرين، لماذا نعاني إعراض الله عنا وزوال ملكنا ومكانتنا؟

والجواب واضح لأننا نقتات من فتات تقذفه لنا الأمم الغنية التي تقول وتنفذ ما تقوله بأمانة، وينظرون إلينا بإستعلاء، ونحن نلعنهم، ونمد ايدينا إليهم، ونبحث عن أي فرصه للعمل في بلادهم، لننعم بالفرص والحريات والمساواة أمام القانون، وبحقوق نحرم أنفسنا منها في بلادنا، وليتنا نعيش فيها بسلام، بل نحرض شبابنا ليهاجموا الأبرياء بالطعن والتفجيرات، وغيرها من وسائل حقيرة غادرة مجرمة نستخدمها لترويع الأمنين، وكأنهم محتلين بلادنا، وليس نحن من نخوض البحار لنرتمي في أحضانهم، ثم نطعنهم ونقتلهم، وبعضنا يظن أنه يجاهد في سبيل الله، يجاهد الأبرياء المسالمين الذين فتحوا لنا بلادهم، وقدما لنا فرصة لحياة أفضل.

سيقولون وماذا نفعل غير هذا، نشأنا في عصر الظلم والظلمات الفقر في بلادنا ولا حيلة لنا فيه؟

هذا كذب وإفتراء، تحلوا بالصدق والأمانة، تحلوا بخلق رسول الله قبل ملابسه وكلماته، وبينما كنت أكتب هذه السطور جاء إختبار الله لي، سألني ولدي في أمر غريب، قال طلبوا منى في الشركة، أن أقوم بعمل، وحددوا مدته 3 ساعات، وأنهيته في ساعة، فهل أقول أني أنهيته في ساعة أم في ثلاث، فأجبت بلا تردد قل الحق، فقال ربما يعطونني شغل أكثر، فقلت وما المانع أنت تأخذ أجر على أداء العمل في موعد محدد، وقمت به قبل إنتهاء الوقت، فلماذا تأخذ أكثر من حقك.

 عجبت من مداخل الشيطان، كلنا يمكن أن يقع في مثل هذا يقول ما لا يفعل، وتذكرت حكاية أحد مشايخ الأزهر في أوائل القرن الماضي، ذهب لحفل إستقبال أقامه الملك فاروق أو فؤاد لا أذكر على وجهة التحديد بالبذلة، فسأله أحد المشايخ إستهزاءًا لأنه لا يرتدي الزي الأزهري في مناسبة رسمية، ماذا كان يرتدي رسول الله؟

فأجاب بثقة كان يرتدي مثلما كان يرتدي أبو جهل، البعض منا مع الأسف يرتدي مثل رسول الله ونتخلق بخلق أبي جهل، والباقي يرتدي ويتخلق بخلق أبي جهل إلا من رحم ربي، ونعجب لماذا لا ينصرنا الله، ببساطة لأننا لم ننصره على أنفسنا وشهواتنا.

لم ننهى أنفسنا عن الهوى، فضعنا وضاعت هيبتنا وتفرقنا، لأننا لا يصدق بعضنا وبعض، ولا يأمن بعضنا بعض، فكيف نتحد ونكون صف كالبنيان المرصوص وهذا حالنا، هذه هي المشكلة وهذا حلها، فهل نبدأ بأنفسنا لعل الله يدركنا برحمته قبل أن ينقضي العمر، وتضيع فرصتنا في عفو ربنا، فننجو من غضبه علينا، ومقته لنا، لعله يغفر لنا ويرحمنا، ونقول لله يوم العرض عليه بدأنا بأنفسنا كما أمرتنا، فأرحمنا يا ربنا كما وعدتنا، ربنا أنك رؤوف رحيم.  

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

arArabic